كود اعلان

مساحة اعلانية احترافية

آخر المواضيع

رواة

 بديعة مصابني ......(1)

ملكة الشقاء

 من مسودة روايتي المقبلة "اسمي بديعة" التي قد تنجز في العام 2020
نجلس كريم نصار وأنا، في صالة محل الألبان والأجبان، على الكراسي الخشبية التي اشتريناها حديثاً، نجلس بعدما مسحت بقطعة قماش قطني الغبار عن الطاولة، ورحنا ننتظر مجيء بائع البيض البلدي ونقتفى أثر الشارع، سيارة بعد سيارة. كريم كان يحب أن يدخن في الجلسة الواحدة ثلاث سيجارات لف مدعمة بنثر الحشيش المائل إلى الشقار، يضع ذراعيه على الطاولة، يتأمل منفضة السيجائر يتأمل الدخان المنبعث من سيجارته، ثم يمجّها بنفس طويل، كأنه في لحظة صلاة أو كأنه مريض في حالة فصام، أنا كنت أحب النارجيلة بفحم السنديان، منذ كنت في شارع عماد الدين في القاهرة، لا أعرف امرأة اخرى تنفث النارجيلة قبلي، ولا أدري إن كانت امرأة تتجرأ في ذلك، ولا أذكر كيف اصبحت في هذا الموضع، أقلّد سلوكية الرجال دون انتباه، وهم ينظروف اليّ بدهشة واستغراب، حين يشاهدون نربيش النارجيلة بيدي ومبسمه بين شفتي، كأني احطم واحة رجولتهم ويشعرون بإثارة لامرئية تجاهي، لم أكن أشعر بشيء من تدخين النارجيلة، فقط احب سماع قرقعة المياه فيها ورؤية الدخان يتشكل دوائر تتصاعد تباعا في الرواق أمام مدخل باب الملهى، وحتى في صالة محل الألبان والأجبان، دوامت على عادتي القديمة، وزادت ابتسامتي، اجلس وكريم الذي أكبره بسنوات عديدة، أعرف أن أي شخص يراقبنا سيقول إن كريم تزوجني بسبب ثروتي، لم يكن يعنيني هذا الأمر، وكان لديّ احساس أنّ كريم ومهما كان لطيفاً تجاهي، فهو ينظر إلى ماضي الرقص في حياتي بعين الريبة، لكنه يستطيع العيش معي، ويستطيع ذلك بهدوء، خاصة حين يأخذ الحشيش مفعوله.
تعلو أشجار الحور سطح مبنى المحل المؤلف من طابقين، وتغزو أغصانها أسراب الدوري، محدثةً بزقزقتها ضجيجاً يومياً عند الظهيرة. ومن حين إلى آخر، نسمع حفيف أوراق الحور مع كل نسمة ترسلها الجبال... كنا ننتظر المعلم جرجي، صاحب مزرعة الدجاج البلدي. كان يأتي يومياً بعد الظهر، حاملاً سلة البيض، ومنذ أيام قليلة صار يتخلّف عن موعده أو يغيب بسبب انخفاض منسوب الإنتاج، مع أن دجاجاته من سلالة جيدة.
كنت كل مساء أجلس في الملهى الليلي حيث لم أشعر بالضجر يوماً. كنت أقتفي أثر الساهرين والفنانين والراقصات. أجمع حكاياتهم وأشعر بسيطرة على الأشياء والأمور كافة في ذلك المكان العابق بالذكريات. ولكن منذ جلست في محل الألبان والأجبان، يلازمني إيقاع ممل لم أعهده. هنا لا أقتفي إلا أثر زبائن عابرين أجهل معظمهم، كأني أعيش فائضاً في أيامي، كأن حياتي الحقيقية انتهت هناك في ذلك المكان الليلي.
Top of Form


إرسال تعليق

0 تعليقات

فلسفة

مساحة اعلانية احترافية

ثقافة

مساحة اعلانية احترافية

{getMailchimp} $title={Mailchimp Form} $text={Subscribe to our mailing list to get the new updates.}

مساحة اعلانية احترافية